تطوير ويب » دين ودنيا » هل جرّبت أن تحصي الأوامر الإلهية في القرآن الكريم؟
القارئ العزيز.. هل جرّبت أن تحصي الأوامر الإلهية في القرآن الكريم؟
"وبالوالدين إحسانًا"
"أقيموا الصلاة"
"آتوا الزكاة"
"كُتِبَ عليكم الصيام"
"اعبدوا الله"
"أصلحوا بين أخويكم"
وغيرها من أوامر الله تعالى للمؤمنين به.. والتي اقترن كثير منها بتحذيرات رادعة ألا تُخالَف.. ولكن ثمة أمر واحد ميّزه الله -عز وجل- أن يكون أول أمر إلهي لكل مسلم: "اقرأ"..
ومع الأسف فقد ازدحمت أيامنا بمن يأمروننا بتنفيذ مختلف أوامر الخالق -عز وجل- بينما هم يخالفون هذا الأمر الأول، فتراهم يأمرونك بإقامة الصلاة، وغضّ البصر، وأداء النوافل، واجتناب المعاصي، بينما هم ناسون -أو متناسون- أنه لا بد للأمر "اقرأ" من قيمة خاصة؛ ليكون أول فعل أمر ينزل به جبريل عليه السلام من عند الله على رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- مع الأسف وعن تجربة فإن قلة فقط يهتمّون بالقراءة والبحث في دينهم، والأغلبية تكتفي بالاستماع إلى برنامج هنا وشيخ هناك، ويخرج من هؤلاء أناسٌ يحسبون أن ما أوتوا من قشور العلم بالدين يكفي ليزكوا أنفسهم على من سواهم، وينظروا للناس من حولهم نظرة بها مزيج من الاستنكار لـ"جاهليتهم" والإشفاق من "غفلتهم".. ويقيمون من أنفسهم قضاة يحكمون على تديّن هذا وإيمان ذاك بغير علم.
ربما يحتجّ البعض على كلامي بأن الأمر "اقرأ" جاء في تفاسير القرآن الكريم بمعنى "قراءة القرآن".. وقولهم مردود عليه بأن الله تعالى قال بالعبارة الصريحة في كتابه العزيز أنه قد أنزل الآيات لـ"قوم يعقلون" أو "قوم يتفكرون".. وإعمال العقل في كتاب الله والتفكر في آياته لا يكون إلا بالبحث في أمور مرتبطة به كأسباب وقصص نزول الآيات والسور، وتفسيرات الثقات من المفسرين، والأحاديث التي فسّر فيها الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعض الآيات أو وضّح فيها بعض الأحكام الشرعية.. وهذا بحر واسع لا يكفي المرء لأجله درسًا في المسجد أو حلقات في قناة فضائية دينية ما..
قد يحتجّ البعض كذلك بأن الاستماع للدروس قد يُغني عن القراءة لمن ليس لديهم صبر عليها، وهذا أيضًا مردود عليه بأن المتأمل في السيرة النبوية الشريفة لا بد أن يفكر في أن أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يعلم كل أسير من كفار قريش -غير قادر على دفع الفدية- عشرة من المسلمين مقابل أن يُطلَق سراحه، هو أمر له حكمة ما.. هنا تعامل الرسول -عليه الصلاة والسلام- مع القراءة باعتبارها من "الاحتياجات الاستراتيجية" للدولة الناشئة.. وبالتأكيد فإنه لم يأمر بذلك عبثًا، بل كمقدمة لخلق جيل قارئ قادر على البحث في الكتب..
ولهذا فقد أمر كذلك أحد صحابته الأجلاء -زيد بن ثابت رضي الله عنه- أن يتعلم لغات الأمم المجاورة وأن يتعلم كتاب اليهود، وكان عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- يبجّله ويوقره ويقول: "هكذا أُمِرنا أن نفعل مع علمائنا"؛ فالسلف الصالح إذن لم يتعاملوا مع الأمر "اقرأ" باعتباره مرتبطًا بالقرآن فحسب..
حتى أن بعض العلوم -كعلم الفلك- صنّف الفقهاء تعلمه بأنه "فرض كفاية"، أي مما يجب أن يكون بين المسلمين من يتقنونه؛ لارتباطه بمواقيت الفرائض، ويأثم كل المسلمين إن تُرِكَ فيهم..
فهل تعلّم مثل هذا العلم المفروض وتعليمه وتطويره وتناقله كان ليكون لو اقتصر الأمر بالقراءة على القرآن؟
ثم إن للذاكرة البشرية حدّ لما تحتويه من معلومات، والنسيان والسهو واختلاط المعلومات هي من أكثر الصفات ارتباطًا بالإنسان، فالقارئ هنا يمتاز عن المستمع بقدرته على معرفة أين يبحث عن أدلته وبراهينه وأسانيد ما يدافع عنه من قضايا دينية أو دنيوية، وعبارة "تلك المعلومة قرأتها في الكتاب الفلاني لفلان" أقوى مصداقية من عبارة "سمعت فلانًا يقول كذا وكذا".. وإن كانت العبارة الأخيرة مقبولة في بعض حالات التواتر في نقل الأحاديث من السلف الصالح، فإن هذا السلف الصالح قد اعتمد في قطاع كبير من تواتره على التدوين، وإلا ما كان جامعو الحديث كالبخاري -رضي الله عنه- قد اهتموا بتدوين ما جمعوا ليكون مثبتًا للأجيال القادمة..
ربما يبدو الإمساك بكتاب وقراءته عملاً مرهقًا للبعض، ولكن لماذا لا تجرّب -عزيزي الشاب المتديّن- أن تتعامل مع الأمر كتعاملك مع العبادات، فتروّض نفسك وتدرّبها على الصبر على القراءة كما تفعل مع صلوات النوافل وصيام السُنن.. وتثق بأن الله تعالى لن يراك تسلك سبيلاً للعلم إلا يسّره لك؟
أعتقد أن هذا هو المفتاح الحقيقي لنعود لاستحقاق أن نوصف بأننا "أمة اقرأ"!
مصادر المعلومات:
- تفسير القرآن العظيم: ابن كثير.
- تفسير القرطبي.
- تفسير الطبري.
- البداية والنهاية:ابن كثير.
- موسوعة عظماء حول الرسول: الشيخ خالد عبد الرحمن العك.
"وبالوالدين إحسانًا"
"أقيموا الصلاة"
"آتوا الزكاة"
"كُتِبَ عليكم الصيام"
"اعبدوا الله"
"أصلحوا بين أخويكم"
وغيرها من أوامر الله تعالى للمؤمنين به.. والتي اقترن كثير منها بتحذيرات رادعة ألا تُخالَف.. ولكن ثمة أمر واحد ميّزه الله -عز وجل- أن يكون أول أمر إلهي لكل مسلم: "اقرأ"..
ومع الأسف فقد ازدحمت أيامنا بمن يأمروننا بتنفيذ مختلف أوامر الخالق -عز وجل- بينما هم يخالفون هذا الأمر الأول، فتراهم يأمرونك بإقامة الصلاة، وغضّ البصر، وأداء النوافل، واجتناب المعاصي، بينما هم ناسون -أو متناسون- أنه لا بد للأمر "اقرأ" من قيمة خاصة؛ ليكون أول فعل أمر ينزل به جبريل عليه السلام من عند الله على رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- مع الأسف وعن تجربة فإن قلة فقط يهتمّون بالقراءة والبحث في دينهم، والأغلبية تكتفي بالاستماع إلى برنامج هنا وشيخ هناك، ويخرج من هؤلاء أناسٌ يحسبون أن ما أوتوا من قشور العلم بالدين يكفي ليزكوا أنفسهم على من سواهم، وينظروا للناس من حولهم نظرة بها مزيج من الاستنكار لـ"جاهليتهم" والإشفاق من "غفلتهم".. ويقيمون من أنفسهم قضاة يحكمون على تديّن هذا وإيمان ذاك بغير علم.
ربما يحتجّ البعض على كلامي بأن الأمر "اقرأ" جاء في تفاسير القرآن الكريم بمعنى "قراءة القرآن".. وقولهم مردود عليه بأن الله تعالى قال بالعبارة الصريحة في كتابه العزيز أنه قد أنزل الآيات لـ"قوم يعقلون" أو "قوم يتفكرون".. وإعمال العقل في كتاب الله والتفكر في آياته لا يكون إلا بالبحث في أمور مرتبطة به كأسباب وقصص نزول الآيات والسور، وتفسيرات الثقات من المفسرين، والأحاديث التي فسّر فيها الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعض الآيات أو وضّح فيها بعض الأحكام الشرعية.. وهذا بحر واسع لا يكفي المرء لأجله درسًا في المسجد أو حلقات في قناة فضائية دينية ما..
قد يحتجّ البعض كذلك بأن الاستماع للدروس قد يُغني عن القراءة لمن ليس لديهم صبر عليها، وهذا أيضًا مردود عليه بأن المتأمل في السيرة النبوية الشريفة لا بد أن يفكر في أن أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يعلم كل أسير من كفار قريش -غير قادر على دفع الفدية- عشرة من المسلمين مقابل أن يُطلَق سراحه، هو أمر له حكمة ما.. هنا تعامل الرسول -عليه الصلاة والسلام- مع القراءة باعتبارها من "الاحتياجات الاستراتيجية" للدولة الناشئة.. وبالتأكيد فإنه لم يأمر بذلك عبثًا، بل كمقدمة لخلق جيل قارئ قادر على البحث في الكتب..
ولهذا فقد أمر كذلك أحد صحابته الأجلاء -زيد بن ثابت رضي الله عنه- أن يتعلم لغات الأمم المجاورة وأن يتعلم كتاب اليهود، وكان عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- يبجّله ويوقره ويقول: "هكذا أُمِرنا أن نفعل مع علمائنا"؛ فالسلف الصالح إذن لم يتعاملوا مع الأمر "اقرأ" باعتباره مرتبطًا بالقرآن فحسب..
حتى أن بعض العلوم -كعلم الفلك- صنّف الفقهاء تعلمه بأنه "فرض كفاية"، أي مما يجب أن يكون بين المسلمين من يتقنونه؛ لارتباطه بمواقيت الفرائض، ويأثم كل المسلمين إن تُرِكَ فيهم..
فهل تعلّم مثل هذا العلم المفروض وتعليمه وتطويره وتناقله كان ليكون لو اقتصر الأمر بالقراءة على القرآن؟
ثم إن للذاكرة البشرية حدّ لما تحتويه من معلومات، والنسيان والسهو واختلاط المعلومات هي من أكثر الصفات ارتباطًا بالإنسان، فالقارئ هنا يمتاز عن المستمع بقدرته على معرفة أين يبحث عن أدلته وبراهينه وأسانيد ما يدافع عنه من قضايا دينية أو دنيوية، وعبارة "تلك المعلومة قرأتها في الكتاب الفلاني لفلان" أقوى مصداقية من عبارة "سمعت فلانًا يقول كذا وكذا".. وإن كانت العبارة الأخيرة مقبولة في بعض حالات التواتر في نقل الأحاديث من السلف الصالح، فإن هذا السلف الصالح قد اعتمد في قطاع كبير من تواتره على التدوين، وإلا ما كان جامعو الحديث كالبخاري -رضي الله عنه- قد اهتموا بتدوين ما جمعوا ليكون مثبتًا للأجيال القادمة..
ربما يبدو الإمساك بكتاب وقراءته عملاً مرهقًا للبعض، ولكن لماذا لا تجرّب -عزيزي الشاب المتديّن- أن تتعامل مع الأمر كتعاملك مع العبادات، فتروّض نفسك وتدرّبها على الصبر على القراءة كما تفعل مع صلوات النوافل وصيام السُنن.. وتثق بأن الله تعالى لن يراك تسلك سبيلاً للعلم إلا يسّره لك؟
أعتقد أن هذا هو المفتاح الحقيقي لنعود لاستحقاق أن نوصف بأننا "أمة اقرأ"!
مصادر المعلومات:
- تفسير القرآن العظيم: ابن كثير.
- تفسير القرطبي.
- تفسير الطبري.
- البداية والنهاية:ابن كثير.
- موسوعة عظماء حول الرسول: الشيخ خالد عبد الرحمن العك.
أصدقاء(تطوير ويب)
0تعليقات Blogger
لا توجد تعليقات على موضوع "هل جرّبت أن تحصي الأوامر الإلهية في القرآن الكريم؟"
إرسال تعليق
التعليقات متاحه لمستخدمي حساب جوجل فقط.ولاضافة كود: أستعن بهذه الأداة السريعة Encode/HTML .